مات بغيره .. رابح التيجاني
من لم يمت بالسيف مات بغيره/تعددت الأسباب والموت واحد
والمقصود بغيره هنا بدون شك كورونا ، ومن اللطائف والطرائف أن الشاعر تنبأ بذلك في زمن لم يكن فيه إلا السيف بتارا يديره الفارس يمينا فيخر صريعا مئات القتلى ويلوح به يسارا فيسقط نفس العدد دون زيادة أو نقصان ، وإذا كان الحال كذلك أدركنا معجزة من تنبأ بإمكانية الموت بالسيف أو بغيره وإن كانت النتيجة هي هي ، فالموت واحد ( واحد مامنو زوج ) مصداقا لما جاء في غزليات على الحداني رحمة الله عليه.
الموت واحد ومن لم يمت بالسيف مات بغيره أي كورونا ، ولا داعي لكثرة التأويلات والاحتمالات ، فالشاعر يجزم بأننا نموت بالسيف أو بغيره ولا تذهب بنا الظنون فنستبدل بغيره مثلا بغيظه أو حزنه أو أكله أو شربه أو هرمه أو أو أو ،كلا فليس ثمة غير كورونا كما نستشف ذلك من رؤيا الشاعر المتبصر السابق لزمانه والتائه في مكانه
وإذا سلمنا بأن السيف ظل سيفا منذ كان وإلى الآن حيث وبرغم ظهور كل العتاد الفتاك وأسلحة الدمار الشامل لايزال السيف يحظى بحضور وازن حتى وإن شوهوا أفعاله بما يطلقون عليه التشرميل ، فالسيف كان يجز ويبتر ويطعن ويبقر ويسفح ويذبح أما اليوم فيقال شرمله يشرمله وفي هذا غبن واضح وجلي وتقصير لغوي ماكان ليكون لو كنا في عصر نهضة البلاغة والبيان ، ولكن لا بأس فثمة من الغيورين من ردوا الاعتبار للسيف فشبهوا االرموش طبيعية أو اصطناعية والنظرات عفوية أو قاصدة بالسيوف مدعين بأنها أي الرموش والنظرات والسيوف سواء لافرق ولا ندري هل يجوز التشبيه أم لا يجوز لاسيما وأن السيوف تقطر دما إذا فتكت أما غيرها فلا أثر له وبالتالي لا يصح بتاتا أن نهبط بالسيوف إلى درك لا يليق بها
وأيا كان فإن الشاعر أصاب المفصل ليس بسيفه أو غيره ولكن باستباقه تصوير موت الناس بغير السيف ولاشيء غير السيف قاتلا في هذا الزمان اللهم ما كان من جائحة كورونا قبحها الله وسلط عليها مايهدها وينقذنا منها ومن بين براثينها وشباكها التي لا تفلت لا كبيرا ولاصغيرا لاسقيما ولاسليما
وخلاصة القول إن الشاعر شاعر بالتأكيد ونبوءته التي مرت عليها سنون تبين بالملموس وارقام الوفيات المتصاعدة صحتها كما تبين صواب استنتاجه بأن الموت واحد بالسيف باسمه أو بأسمائه التي تجاوزت المائة عندنا إمعانا في التنكر ويكفي أن نذكر منها المهند ليس الممثل الوسيم طبعا والصارم والكاطورزا وبما تناسل بعد ذلك بطبيعة الحال من أدوات التقتيل والتدمير وهي أيضا لها أسماء وأسماء لاتعد ولاتحصى ولا تستقصى وأغلبها أسماء إفرنجية مشفوعة بالحروف والأرقام لايحفظها عن ظهر قلب إلا أصحاب الرؤوس الغليظة الكبيـــــرة
نصل إلى بيت القصيد ومربط الفرس نصل إلى بغيره وتحديدا كورونا اسم الدلع أو باسمها المستعار كوفيد 19 الذي ليس في الواقع إلا قناعا تلج به منتديات العلم يعد أن دخلت رحاب الأدب باسم غيره
وعلى كل حال فقد تظهر أسباب أخرى للموت لم يعرفها الأوائل ولم نعرفها نحن ولا يمكن لنا بأي وجه أن نتنبأ بها لأن خيالنا محدود وآفاقنا مغلقة ولسنا نرى أبعد من أنوفنا وقد غطتها وبرقعتها الكمامات خوفا ورعبا من غيره
رابح التيجاني